د.فلسفة+الحل -كيف ندرك بالعقل أم بالحواس؟ باكالوريا 2009
صفحة 1 من اصل 1
د.فلسفة+الحل -كيف ندرك بالعقل أم بالحواس؟ باكالوريا 2009
كيف ندرك بالعقل أم بالحواس؟
المقدمـة:
كثير ما يكشف الإنسان أخطاء حسية تخدعه أحيانا فمثلا قد نرى أن الشيء يزيد حجمه كلما اقترب منا و العكس عند ابتعاده إلا أننا في الواقع لا نحكم على الشيء بأنه يتغير بسبب حجمه أو لونه وإنما لأنه يقترب إلينا إن هذه العملية العقلية التي تقوم بتأويل الاحساسات وتحويلها إلى معرفة قصد التكيف والتفاعل معها يسمى إدراكا .
وكما يقول ( لالاند) إن الإدراك هو الفعل المنظم الذي ينظم به الفرد احساساته الحاضرة والمباشرة ويفسرها ويكملها بصور وذكريات ويبعد عنها قدر الإمكان طابعها الانفعالي ومن هنا نتساءل هل للإدراك بالعقل أم بالحواس؟ وبعبارة أخرى :
هل ندرك بعقولنا أم بحواسنا ؟
التوسيــــع:
القضية: النظرية الذهنية :
يميز( ديكارت) بين الأفكار التي هي أحوال نفسية موجودة داخل الذات والأشياء المادية التي هي إمدادات موجودة خارج الذات مجرد حالة ذاتية غير ممتدة، فإن إدراك شيء ممتد إنما يكون بواسطة أحكام تضفي على الشيء صفاته وكيفياته الحسية وعلى هذا يكون الإدراك المكاني عملا عقلي بحتة وفعلا فإن إدراك البعد الثالث لا يمكن أنت يكون انطباعا حسيا وإلا كنا ندرك الأشياء داخل أعيننا ما دامت الإشارة الضوئية تمس الشبكة مباشرة إذن فليس المكان وليد الإحساس بل هو نتيجة حكم نصدره عند تفسير المعطيات الحسية عن طريق المقابلة بين أبعادها الظاهرية .
وقد أكد ( باركلي) منذ بداية القرن الثامن عشر "أن تقدير مسافة الأشياء البعيدة جدا ليس إحساسا بل حكم مستند إلى التجربة" مما جعله يرى أن الأكمة إذا استعاد بصره بعد عملية جراحية لا يمكن أن يكون لديه أي فكرة عن المسافة البصرية فالشمس والنجوم وأقرب الأشياء و أبعدها تبدو له جميعا موجودة في عينيه .
وقد جاءت أعمال الجراح الإنكليزي (شيزلندن) فيما بعد بحوالي عشرين سنة صحة رأي( باركلي) .
أما ( آلان ALAIN ) فإنه يبين لنا كيف لا ندرك الأشياء كما تعطينا إياها حواسنا فالشيء المكعب الذي نراه ونلمسه ونقلبه على مختلف أوجهه لا نراه ولا نلمسه كله بل إن الرؤية واللمس لا يعطينا إياه أبدا كما هو في الواقع بزواياه وسطوحه المتساوية فإننا لا نرى منه على الأكثر إلا تسعة أضلاع من بين أضلاعه الإثني عشر وثلاثة سطوح من بين سطوحه الستة، ورغم كل هذا فنحن ندركه مكعبا ومعنى هذا أن المكعب شيء معقول وليس محسوس.
مناقشـــة:
إن هذه النظرية قد أهملت الجانب الموضوعي فالعالم ليس ما نفكر فيه دائما وإنما العالم هو ما نحياه ونعيشه فصحيح نحن لا ننكر دور العقل في الإدراك ولكن لا يمكننا أن نتجاهل دور الموضوع في عملية الإدراك .
النقيض: النظرية الغشتالتية:
إن المدرسة الغشتالتية ترفض التمييز بين الإحساس والإدراك كما ترفض أن يكون الإدراك مجموعة احساسات بل إن الإدراك من أول وهلة هو إدراك لمجموعات ذات صور وبيانات وقد كانت النظرية الذهنية تظن أن الذهن هو الذي يعطي المعطيات الحسية صورها عن طريق حكم يصدره فجاءت المدرسة الغشتالتية تؤكد أن الصور لا تضاف إلى المعطيات الحسية بل هي محايدة لها ومعطاة معها في آن واحد .
فالأشياء تتمايز وفقا لبنياتها الخاصة على خلفية غير متميزة وتنفصل على الحقيقة تقتضي (الصورة الفضلى) أي الأكثر بساطة والأكثر انسجاما،لا ندرك في الشكل(1) كل نقطة على حدة بل ندرك من الوهلة الأولى سلسلة من النقاط …….…………. ش(1)
ويمكننا أن نراها على هيأة أخرى إذا غيرنا بنيتها العامة لتقارب العناصر كما في الشكل (2) حيث ندرك سلسلة من النقاط مثنى مثنى .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ش(2)
حتى ما إذا أضفنا إلى هذه السلسلة عنصر آخر تغيرت بنيتها العامة وأصبحنا ندركها على غير عادتها التي بدت لنا كما يظهر في الشكل (3) إن النقطتين اللتين كانتا تؤلفان صورة تامة انفصلت إحداهما عن الأخرى لتندمج كل منها في صورة أخرى .. _ .. _ .._ .. _.. _.. ش(3) .
و إذا كانت النظرية الذهنية ترى أن إدراك المسافة وليد حكم نصدره بعد تربية سابقة فإن الغشتالتيون ينكرون أثر التربية في ذلك معتمدين على ملاحظة الأطفال الذين يحاولون القبض على الأشياء تحت توجيه البصر ابتداء من الشهر الربع فالطفل يحاول أن يمسك بالأشياء التي في متناوله تحت رقابة البصر ومهما كانت حركاته غير موفقة فإن تحسسه للأعماق إنما يكون حول الأشياء فهذه الملاحظة توحي بأن نضج الاقتراعات العصبية هي التي تمكن العين من توجيه اليد ولا دخل للتربية في ذلك ولا يمكن الاحتجاج هنا بالتجارب التي أجراها (شيزلندن) على الأكمه بعد إسترادهم البصر لأن قولهم بأن الأشياء تمس أعينهم لا يدل على أكثر من أن اللمس هو الوسيلة التي يمكنهم استعمالها للتعبير عن إدراك الأشياء هذا مع ملاحظة أن العملية لا تجرى على العينين في آن واحد مما يجعل المريض لا يتمكن من تقدير المسافات بعين واحدة لأن رؤية العمق إنما يكون باندماج صورتان تقدمها العينان معا وانطباق هاتين الصورتين هو الذي يحدث الإحساس بالبروز.
ويمكننا أن نستنتج منكل ما سبق أن المسافة صورة وبنية طبيعتها كغيرها من صور الأشياء الفضلى التي تفرض نفسها على الإدراك وفقا لقوانين انتظامها والتي تتجلى حتى في الشروط العادية .
مناقشــــــة:
رغم جميع الانتقادات الصائبة التي وجهتها المدرسة الغشتالتية للنزعة الذهنية التي ترجع الإدراك إلى التفكير وتنظيم وتفسير المعطيات الحسية ورغم مختلف الحجج التي دعمت بها المبدأ القائل بأن إدراك الكل متقدم عن إدراك أجزائه فإن المدرسة الغشتالتية قد قللت من شأن الدور الذي يقوم به المدرك في عملية الإدراك من حيث هو كائن حي لأن الإدراك مهما كان تابعا لبنية الشيء المدرك فهو أيضا من جهة أخرى تابع لبنية الذات المدركة.
ويمكن القول أن المدرسة الغشتالتية قد تجاهلت دور الاتجاه الحركي ودور الأوضاع الذهنية والتجربة المكتسبة وبنية الذات المدركة وأثر كل أولئك في عملية الإدراك.
التركيـــب:
إن النظرية العضوية توازن بين التأثير الصادر على الموضوع التأثير الصادر عن الذات بحيث تكون العوامل الموضوعية والذاتية أساس الإدراك ونرى أن الإدراك يتم بالعقل والحواس معا فأي خلل في أي عضو من الأعضاء أو في النفس أو في الموضوع يؤثر في عملية الإدراك وصوت دبيب النملة لا يمكن إدراكه لأنه لم يبلغ درجة الإحساس .
إذن نستنتج من النظرية العضوية أن الإدراك عامة والإحساس خاصة لا يرجع إلى عامل دون آخر بل يعود إلى الإحساس والعقل لذلك قيل :
إننا ندرك بكامل شخصيتنا.
الخاتمـــة:
إن إدراك المكان ناتج عن تظافر جميع المؤثرات الحسية التي يستقبلها الفرد في لحظة ما سواء صدرت هذه المؤثرات عن الذات أو الموضوع وأن أي تغير يحدث لإحداهما ينتج عنه فقدان التوازن بين الذات والموضوع وبهذا نقول أن إدراكنا للمكان يتم بالعقل والحواس.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى